الجمال والسواد - في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا

«أمنة علي، مؤسسة صفحة "تجمع السود العرب" في انستقرام. وهي صفحة تهدف لمشاركة قصص العرب السود»

«أمنة علي، مؤسسة صفحة "تجمع السود العرب" في انستقرام. وهي صفحة تهدف لمشاركة قصص العرب السود»

 
 

بعد مضي سنوات على تهميش قضايا المجتمعات العربية الأفريقية من ذوي البشرة السوداء، وظهور حركة "حياة السود مهمة" بعد عملية قتل عدة مواطنين أمريكيين سود مثل، جورج فلويد وأحمد أربري وبريونا تايلور، وجدت الحركة تضامناً عالمياً كبيرا للدفاع عن حقوق السود وإجبار المجتمعات المختلفة على تقبلهم. وأخيراً نرى الحديث عن العنصرية العرقية انتشر على نطاق واسع حول العالم العربي، بعد أن تحول الحديث الى قضية عالمية

ولكن ما الذي يعنيه الحديث عن العنصرية؟

بسبب إستغراق منطقة جنوب وغرب آسيا (والتي تضم الشرق الأوسط) وشمال أفريقيا وقتاً طويلاً للتعويض عن محو "السود"... أدى ذلك إلى حرمان هذه الفئة من المجتمع من دورها الأساسي في الحياة العامة والإعلام وغيرها من القطاعات الحيوية. هذا التهميش ايضاً أدى بدوره إلى فراغ على المستوى السياسي. الآن وأكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن تحتل القضايا المتعلقة بالعرب من أصول أفريقية على اهتمام أكبر. لا يكفي أن يدعي العرب أنهم ليسوا عنصريين، بل يجب أن يكون هناك منبر يعكس أصوات العرب السود و قضاياهم واهتماماتهم السياسية والثقافية والإجتماعية

وبالتالي، ‏لفهم تعقيدات تجربة السود في المجتمعات العربية والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة، يجب عليهم استخدام الامتيازات التي يتمتعون بها لإنشاء مساحة تسمح بسماع أصوات العرب السود

…انا لست قبيحة، أنا فقط سوداء

كطفلة من أصول مختلطة، أب صومالي وأم يمنية، ولدت ونشأت في دولة الإمارات العربية المتحدة، علاقتي بلون بشرتي كانت متذبذبة وكنت دائما أشعر بأنني منبوذة في المدرسة لأنني ولدت سوداء

في فترة من فترات دراستي، كنت الطالبة السوداء الوحيدة من جنسية غير إماراتية في مدرسة تضم أكثر من 700 فتاة. تعرضت خلال تلك الفترة للتنمر ونعت بألقاب عنصرية، و عوملت معاملة مختلفة عن زملائي من مختلف الجنسيات من ذوي البشرة البيضاء. مع مرور الأيام أصبحت هذه المعاملة عادية بالنسبة إلي حتى بت أضحك على تلك الألقاب، ولكن نظرتي لنفسي ازدادت سوءا حتى تعايشت مع فكرة أنني الطالبة القبيحة

مع تقدمي في المراحل الدراسية بدأت أهتم أكثر بمظهري وانسق ملابسي، وفي السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية لاحظت أن الأشخاص من حولي بدأوا يثنون على مظهري ولكن ليس بالطريقة التي ترضيني. كان الهدف من هذه "المجاملات" ربطي بمعايير الجمال عند الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، أو غير السود. كان يُثنى على شعري الناعم وملامحي التي لا تشبه بالعادة ملامح الفتيات السوداوات. كنت أُسأل عما إذا خضعت لعملية تجميل لأنفي. كانوا يقولون لي "انتِ لستِ سوداء كثيرا، لونك لا يختلف عن لون بشرتنا كثيراً". كنت دائماً أسمع الجملة الشهيرة "انتِ جميلة بالنسبة لأكثرية الفتيات السود". كان مستوى جمالي حسب معاييرهم وما يعتبرونه هم جميلاً. وهنا لاحظت: انا لست قبيحة، أنا فقط سوداء

العيش في مجتمع معروف عنه العنصرية، جعلني أدرك ‏إنني كنت أُحكم على لون بشرتي السوداء. كانت بشرتي هي ما تجعلني قبيحة وغير ذكية ولا أؤخذ على محمل الجد من قبل الناس حولي، بالنسبة لهم كان لون بشرتي يقرر من انا، هذا كان واقعي

تمثيل "السواد" في العالم العربي

عندما ‏نظرت ‏إلى أبعد من ذلك وحللت العالم من حولي، أدهشتني كمية العنصرية التي كانت سائدة في وسائل الإعلام العربية. ‏خلافاً للرأي العام، "العرب" ليسوا عرقاً واحداً. ‏العرب السود، سواء كانوا أقلية محلية او من المهاجرين، موجودون ويقيمون في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولكن الاعلام العربي لا يعكس هذا الواقع

تعودنا على مشاهدة الإعلام العربي والغربي وهو يصور السود بطريقة كوميدية ساخرة أو همجية، فقد يصوره فقيراً او مجرما او حتى يستخدم كسلعة جنسية أو إنساناً غير جذاب وضعيفاً وجاهلاً وخطيراً وكسولاً وقبيحاً

لفترة ‏طويلة جدا كان ينظر إلى هذا الشيء على أنه أمر طبيعي. ‏لم يكن هناك وعي اجتماعي  كافٍ حول خطورة هذا النوع من البرامج وكيف يؤثر على مجتمع بأكمله. القطاعات الثقافية تعد المسؤول الأول عن نشر الوعي الاجتماعي بين الناس وأي تحريف يرى على شاشات التلفاز سواء في برامج ومسلسلات وافلام لابد أن يكون له عواقب وخيمة خارج الشاشة في الحياة الواقعية

على الرغم ‏من كونهم جزءا من المجتمع مثل أي مجموعة أخرى - ‏بغض النظر عن نسبتهم - ف‏العرب السود لا يُمثلون بطريقة عادلة ودقيقة. ‏الشخصيات السوداء في الأفلام والبرامج نادرا ما يقوم بتمثيلها ممثلون سود وحتى في الأدوار الهامشية. ‏عادة ما تحمل شخصيات السود في الأفلام، صوراً نمطية عنهم ولا تظهر دورهم في المجتمع

معاداة "السواد" والثقافة الاجتماعية

أثناء ‏كتابتي لهذا المقال ومن خلال تحدثي مع عدد من الناشطين العرب السود من مجتمعات مختلفة، أدركت ان السود من مختلف الجنسيات العربية لديهم العديد من التجارب المشتركة

 

خلال ‏حديثي مع فاطمة الداعي، وهي فتاة عمانية أمضت السنوات الست الماضية في الدراسة في الولايات المتحدة، ‏تحدثنا عن السود في عمان والذين لا يعدون  أقلية صغيرة. ‏وبالرغم من ذلك لايألف المجتمع العماني أن تحدث زيجات بين الأفراد السود وغير السود، وإذا حدثت فهي عادة ما تكون بيت رجل أسود وامرأة غير سوداء وليس العكس. ‏هذا الموضوع يلقي الضوء ايضاً على التمييز على أساس الجنس المعقد في المجتمع العربي

مع انتشار الزواج التقليدي في المنطقة، تصف فاطمة المحادثات التقليدية التي عادة ما تدور تجاه أي عروس سوداء "انها لطيفة ومن عائلة محترمة ومتعلمة ولديها وظيفة رائعة... ولكنها سوداء". ‏لم يتم ذكر لون بشرتها أخيرا فحسب، بل تم ذكرها بطريقة استخفافية

إبتسام تسنيم، أمريكية من أصل أفريقي نشأت في دولة الإمارات العربية المتحدة وأتقنت اللهجة الإماراتية. كانت تقيم في نفس الوقت الذي أقمت فيه هناك ولكن في إمارتين مختلفتين. تشابهنا في كثير من الأشياء ولكن اختلافنا كان في طريقة إجابتنا على السؤال عن أصلنا، فأجيب صومالية يمنية بعكس إبتسام

الردود ‏التي كنا نطلقها كانت مختلفة. ‏كانت الفتيات من حولنا يتحدثن بلهجات ناعمة ولحد ما مصطنعة، بينما لهجتي كانت تخيب الظن. ‏لم يستوعبوا ‏بأنني قادرة بأن أبدو إماراتية وأن اكون متعلمة. ‏ردود الفعل المعاكسة التي تلقيتها هي مؤشر واضح على مستوى التحيز الذي تحمله المجتمعات العربية تجاه العرب السود

عندما عادت إبتسام والتي تعد بشرتها فاتحة، من إجازة في الهند، تعجب أقربائها وأصدقائها من تغيير لون بشرتها، الذي أصبح داكنا، وتفاجئوا كيف لم تكن منزعجة من الأمر مثلهم ومع ذلك ينكر من حولها بأنهم عنصريون

قالت كوليت دلال تشانتشو بشغف، وهي امرأة من أصول كويتية و كاميرونية تعيش حالياً في العاصمة الإيطالية روما "‏لا يمكنك الدفاع عن نفسك، إذا لم يكن بإمكانك المطالبة بحقوقك الأساسية. وإذا لم يكن بإمكانك المطالبة بحقوقك، إذا هناك مشكلة". ‏بعد أن نشأت في الكويت، وكونها أقرب إلى ثقافتها الكويتية، أدركت كوليت وبسرعة أنه لا ينظر اليها كبقية نظرائهم الكويتيين غير السود. ‏كان هناك فرق واضح في التعامل عند وقوعهم في المشاكل كمراهقين. شعرت كوليت خلال تلك الفترة أنها يجب أن تكون أكثر يقظة لأنها ستعامل بشكل مختلف. ‏تحدثت كوليت أيضاً عن كيف استوعبنا نحن، كعرب سود، او تعايشنا مع الصدمات التي مررنا بها بسبب التمييز العرقي وكيف طُبعت هذه الأحداث في أذهاننا

تحدثت الثلاث فتيات عن مختلف الطرق التي أخبرهم فيها المجتمع بأنهن لسن جميلات، من خلال التشهير والتهميش او وصفهن بالدونية والقباحة. ‏إن الإنقسام العرقي الذي يعاني منه مُجتمعُنا العربي مؤسف للغاية، و‏الكثيرون للأسف لا يرونه على هذا النحو، ربما لأنهم اختاروا غض النظر عنه. لذلك يجب ان يُسمع صوتنا. نحن لسنا قبيحات، ولا نختلف عنكم سوى في لون البشرة

Previous
Previous

Black is Beautiful: Blackness and Desirability in SWANA

Next
Next

Coffee with Lola